بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلاة وسلا" على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه ومن والاه وبعد ..


فقد تفردت هذه الامة وخصت بفضل الله تبارك وتعالى بثلاثة علوم لم تتوافرلإي امة اخرى..

*الأول وهو علم الأسناد

* الثاني وهوعلم الإعراب

*الثالثوهوعلم الأنساب


قال صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ :سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: " بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ ، خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَبِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ، لَمْ يُعْطِهَا مَنْ قَبْلَهَا الْإِسْنَادِوَالْأَنْسَابِ وَالْإِعْرَابِ.(1) "

قلت :

أما العلم الاول: :فهو الإسناد وهو من الأهميةالقصوى بمكان لأنه علم يضبط الرواية وتحملها وأدائها كما هى من غير تبديل ولا تغيرولا تحريف بنقل عدل ضابط عن مثله,وقد جعله الله خصيصة لهذة الآمة,فجعلها أمة مسندةوليس لغيرها من الأمم على الإطلاق ولايوجد الإسناد عند أمة على ظهر الارض إلا امة الأسلام .

. قال الأمام ابن حزم رحمه الله تعالى :

"نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال، خصَّ اللهبه المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهودولكن لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم، بل يقفون بحيث يكونبينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصراً، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه" .

وقال:

"وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط، وأما النقلبالطريق المشتملة على كذاب، أو مجهول العين، فكثير في نقل اليهود والنصارى" .

وقال:

"وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن لليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلاً، ولاإلى تابع له، ولا يمكن للنصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولص" .(2)

وقال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله : وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجعله سلما إلى الدراية . فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون (3)

وقال الأمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:" بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ. يَعْنِى الإِسْنَادَ"(4)

وعند الحاكم في ترجمة عبد الله بن طاهر منتاريخه بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال : كان عبد الله بن طاهر إذا سألنيعن حديث فذكرته له بلا إسناد سألني عن إسناده ، ويقول : رواية الحديث بلا إسناد منعمل الزمنى ; فإن إسناد الحديث كرامة من الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم(5)

قلت وبه حفظ الله تعالى القران والسنة .




**وأما العلم الثاني وهو الإعراب:


فهو علم يضبطبه الأنسان الألفاظ والكلمات و النصوص ,و يهتم باللغة العربية التى أنزل الله تعالى بها كتابه الكريم ، وهى أشرف اللغات وأعلاها، وأكملها وأبقاها؛لأنها لغة القرآن الكريم، ولسان سيد المرسلين .
قالتعالى :

{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَىقَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ،بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [ الشعراء : 193–195] .
قالالإمام الطوفي: "المراد باللسان هنا: اللغة".(6)
وقالتعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [يوسف/ 2 ] .
قالالإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (7): " وذلك لأن العربية أفصح اللغات، وأبينها،وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرفاللغات على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرفبقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة، وهو رمضان، فكَمُلَ من كل الوجوه".
فالعنايةبها عناية بكتاب الله تعالى، ودراستها تعين – بتوفيق الله – على فهم كتابه الكريم،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقالشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب :فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ . ولا يفهمان إلا بفهم اللغةالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " . (8)
وقالالإمام الشاطبي رحمه الله: إن هذه الشريعةالمباركة عربية، فمن أراد تَفَهُمَهافمن جهة لسان العرب يُفهَم، ولا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذهالجهة " . (9)
وقالالإمام المبارك مجد الدين ابن الأثير: " معرفة اللغة والإعراب هما أصل لمعرفة الحديثوغيره، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب "(10)(11)





** الثالث وهو الأنسـاب :


فهو علم يضبط الأنساب من الاختلاط,ويربط الناس بعضهم ببعض ويدعوهم للتألف والترابط

قال الله عز وجل :

( ُوهوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراًفَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً)(الفرقان:54)

وقالأيضا":

(ا دْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُعِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِوَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:5) .

وجاءفي الحديث الشريف فعن سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُغَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ (12)



وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْمَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَالرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ ، مَنْسَأَةٌ فِيالْأَثَرِ " . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : هَذَاحَدِيثٌ غَرِيبٌ (13)



وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ  الأســناد __ والإعــراب __ والأنــسـاب Frown لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِأَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إلَّا كَفَرَ . وَمَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ : فَلَيْسَ مِنَّا ،وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِوَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ ، أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ ، وَلَيْسَكَذَلِكَ ، إلَّا حَارَ عَلَيْه ). (14)

فعن قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ, قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ, يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " (كَفَرَ بِاللَّهِ مَنِ ادَّعَى إِلَى نَسَبٍ لا يُعْرَفُ ,وَكُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) (15)

ومعرفةالأنساب له أهمية بالغة في الفقه الاسلامي فعليه تترتب احكامالشرعية ,مثلا"كأحكام الورثة فيرثالبعض ويحجب بعضهم بعضا، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض، وأحكام الوقف إذا خص الواقفبعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض، وأحكام العاقلة في الدية حتى تضربالدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك،ومنها اعتبارالنَسَب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى فنجد كثير من العلماء ومنهم القاضيعياض كما ينقل ذلك المناوي في (فيض القدير): قال ((اشتراط كون الإمام قرشياً مذهب كافّة العلماء، وقد عدوّهامن مسائل الإجماع) (16)



لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىالله عليه وسلم قال " :لنّاسُتَبَعٌ لِقَرَيْشٍ فِي هَذَا الشّأْنِ. مُسْلِمُهُمْلِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ ." متفق عليه.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث : هذا الحديثوأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم،وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم . انتهى.

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية في شروط الخليفة: (الشرط السابع): النسب وهو أن يكون من قريش لورودالنص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولااعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنهاحتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادةعليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأئمةمن قريش. فأقلعواعن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليمالروايته وتصديقاً لخبره ورضوا بقوله: نحنا لأمراء وأنتم الوزراء. وقالالنبي صلى الله عليه وسلم: قدمواقريشاً ولا تَقدَّموها. وليس مع هذا النص المسلم شبهة لمنازع فيه ولا قول لمخالفله. انتهى.فلولا معرفة الأنسابلفات إدراك هذهالأمور وتعذر الوصول إليها.

___________& المراجع &_
(1) - شرف أصحاب الحديث (ص: 40) رقم(69(
(2) - الفصل في الملل والنحل لابن حزم.(2:69-70 ) وانظر: تدريب الراوي( 2: 143).
(3) -مجموع الفتاوي لشيخ الأسلام(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 232)
(4) – صحيح مسلم (33 )
(5) -
(6) - الصعقةالغضبية في الرد على منكري العربية (ص235).
(7) - تفسير القرآن العظيم2/1438 .
(8) -اقتضاء الصراط المستقيم 1/470 .
(9) - الموافقات 2/64.
(10) - جامع الأصول 1/37
(11) -فضل إعراب القرآن الكريم في السنةالنبوية, دراسة موضوعية
(12) - أخرجه البخاري ومسلم ( جامع الأصول فيأحاديث الرسول ، الجزري /ج 738 ط دار الفكر
(13) -رواه الترمذي في الجامع والحاكم فيالمستدرك برقم (7366)وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
(14) – رواه أحمد والبخاري ومسلم.
(15) – سنن الدارمي ح رقم (2771)عن الرسولي ،عمر بن يوسف ،(ت 696ه طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب،تحقيق ك و. سترستين ، عضوالمجمع العلمي العربي ،دمشق 1949ص5 .
(16) فيض القديرللمنّاوي( 3: 247)، فتح الباري لابن حجر( 13: