* بسمِ اللَّه والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم .

وبعدُ :

فهذا تحقيقٌ في كلامِ أبي حاتم بنِ حبَّانَ في روايةِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ :

قال ابنِ حبَّانَ في " الضعفاءِ " [2 /72] :


" إِذا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوس وَابْن الْمسيب عَن الثِّقَات غير أَبِيه فَهُوَ ثِقَة يجوز الِاحْتِجَاج بِمَا يروي عَن هَؤُلَاءِ وَإِذا روى عَن أَبِيه عَن جده فَفِيهِ مَنَاكِير كثية لَا يجوز الِاحْتِجَاج عِنْدِي بِشَيْء رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن جده لِأَن هَذَا الْإِسْنَاد لَا يَخْلُو من أَن يكون مُرْسلا أَو مُنْقَطع لِأَنَّهُ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو فَإِذا روى عَن أَبِيه فأبوه شُعَيْب وَإِذا روى عَن جده وَأَرَادَ عبد الله بن عَمْرو وجد شُعَيْب فَإِن شعيبا لم يلق عبد الله بن عَمْرو وَالْخَبَر بنقله هَذَا مُنْقَطع وَإِن أَرَادَ بقوله عَن جده جده الْأَدْنَى فَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو وَمُحَمّد بن عبد الله لَا صُحْبَة لَهُ فَالْخَبَر بِهَذَا النَّقْل يكون مُرْسلا فَلَا تخلوا رِوَايَة عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده من أَن يكون مُرْسلا أَو مُنْقَطِعًا والمرسل والمنقطع من الْأَخْبَار لَا يقوم بهَا حجَّة لِأَن الله جلّ وَعلا لم يُكَلف عباد أَخذ الدَّين عَمَّن لَا يعرف والمرسل والمنقطع لَيْسَ يخلوا مِمَّن لَا يعرف وَإِنَّمَا يلْزم الْعباد قبُول الدَّين الَّذِي هُوَ من جنس الْأَخْبَار إِذا كَانَ من رِوَايَة الْعُدُول حَتَّى يرويهِ عدل عَن عدل إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْصُولا وَقد كَانَ بعض شُيُوخنَا يَقُول إِذا قَالَ عَمْرو بن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الله بن عَمْرو ويسميه فَهُوَ صَحِيح وَقد استبرت مَا قَالَه فَلم أجد من رِوَايَة الثِّقَات المتقنين عَن عَمْرو فِيهِ ذكر السماع عَن جده عبد الله بن عَمْرو وَإِنَّمَا ذَلِك شَيْء يَقُوله مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَبَعض الروَاة ليعلم أَن جده اسْمه عبد الله بن عَمْرو فأدرج فِي الْإِسْنَاد فَلَيْسَ الحكم عِنْدِي فِي عَمْرو بن شُعَيْب إِلَّا مجانبة مَا روى عَن أَبِيه عَن جده والاحتجاج بِمَا روى عَن الثِّقَات غير أَبِيه وَلَوْلَا كَرَاهَة التَّطْوِيل لذكرت من مَنَاكِير أخباره الَّتِي رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن جده أَشْيَاء يسْتَدلّ بهَا على وَهن هَذَا الْإِسْنَاد وَسَنذكر من ذَلِك جملا يسْتَدلّ من الحَدِيث صناعته على صِحَة مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي كتاب الْفَصْل بَين النقلَة بعد هَذَا الْكتاب إِن قضى الله ذَلِك وشاءه وَمَات عَمْرو بن شُعَيْب بِالطَّائِف سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة : انتهى .
قلتُ : والمُحقِّقونَ من أهلِ الحديثِ على أنَّ روايةِ عمَرو بنِ شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ من قبيلِ الحديثِ الحسنِ إذا صحَّ النقلُ إليه ؛ لأنًّ عمرًا كان يروي عن أجدادِهِ من صحيفةٍ ، فلم يُعتمدْ على حِفظِهِ وإنما الاعتمادُ عليها ، وهي وجادةٌ ، والوجادةُ جائزةٌ في الأخذِ بها ، ولم يتعرَّضْ ابنُ حبَّان لذكرِ أمرِ هذه الصحيفةِ بشيءٍ إن لم يكن قد غاب عنه ذكرُها ، واللَّهُ أعلم .
أمَّا الاختلافُ في تحديدِ جدِّهِ هل هو محمد بنُ عبدِ اللَّه بن عمرٍو أم عبد اللَّه بنُ عمرٍو نفسُهُ ، وهو سببٌ رئيسٌ لم تكلَّم في عمرٍو ، وهذا مما يُجتهدُ فيه ولا سبيلَ إلى ردِّ الروايةِ لمَّا تقدَّم ، وحديثُهُ عن آبائِهِ وأجدادِه مقبولٌ .
وقال الحسنُ بنُ سفيانَ عن إسحاقَ بنِ رَاهُوْيَه : إذا كان الراوي عن عمرِو بنِ شعيبٍ عن أَبِيهِ عن جدِّهِ ثقةٌ ، فهو كأيُّوبَ عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ . " الكامل لأبي أحمدَ بنِ عديٍّ " [6 /202] .
وَقَال عبدُ الرحمنِ  بنُ أَبي حاتمٍ في " الجرحِ والتعديلِ " [6 /ت 1323] : سُئِلَ أبي : أيَّما أحبُّ إليك عمرو بنُ شعيبٍ عَن أبيهِ عن جدِّهِ ، أو بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ عَن أبيهِ عَنْ جدِّهِ ؟
فقال : عمرٌو أحبُّ إليَّ .
وقال ابنُ عديٍّ في " الكامل " [6/205] :
" روى عن عمرو بنِ شعيبٍ أئمةُ الناسِ وثقاتِهِم وجماعةٌ من الضعفاءِ إلَّا أنَّ أحاديثَهُ عن أبيهِ عن جدِّهِ عن النبيِّ صلى اللَّه عليه وسلَّم اجتنبه الناسُ مع احتمالهم إيَّاهُ ولم يُدخلوهُ في صِحَاحِ ما خَرَّجُوهُ ، وقالوا هي صحيفةٌ " .
وقال شيحُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمه اللَّه - :
" وأما أئمةُ الإسلامِ وجمهورُ العلماءِ فيحتجُّون بحديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيهِ عن جدهِ إذا صحَّ النقلُ إليه مثلُ مالك بنِ أنسٍ ، وسفيان بنِ عُيينةَ ونحوِهِما ، ومثلُ الشافعيِّ وأحمدَ بنِ حنبلٍ وإسحاقَ بنِ رَاهُوْيَه وغيرِهم قالوا : الجِدُّ هو عبدُ الله ؛ فإنه يجيءُ مُسَمَّى ومحمدٌ أدركهُ قالوا : وإذا كانت نسخةٌ مكتوبةٌ من عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان هذا أوكدَ لها وأدلَّ على صحَّتِها؛ ولهذا كان في نسخةِ عمرِو بنِ شعيبٍ من الأحاديثِ الفقهيَّةِ الّتي فيها مُقَدَّرَاتُ ما احتاجَ إليه عامَّةُ علماءِ الإسلامِ . انتهى .

وأمَّا حديثُ عمرٍو بغير هذا الإسنادِ فيُنظرُ فيه ويأخذُ حكمُهُ بما يستحقُّهُ من الحُسنِ أو الضعفِ ؛ فعمرو بنُ شعيبٍ حَسَنُ الحديثِ مالم يتفرَّد أو يُخالفْ ، وإنْ كانت النكارةُ إنما طرأتْ على حديثٍهِ من قِبَلِ من رَوَى عنه أمثالِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ وابنِ لَهيعةَ وغيرِهِم من الضعفاءِ ، وهو ثقةٌ في نفسِهِ ، واللَّهُ المستعان .