بسم الله الرحمن الرحيم
يسعد عطاءات العلم لرعاية المشاريع العلمية أن تقدم لطلبة العلم والمعتنين بعلوم السنة النبوية كتاب شرح القطب الحلبي (ت 735هـ) على صحيح البخاري، وهو من الشروح الأصيلة التي اعتمد عليها ابن الملقن والعيني وغيرهما
ننشر بحمد الله ما وصلنا منه ضمن موسوعة صحيح الإمام البخاري رحمه الله الذي تضطلع بها دار الكمال وتشرف عليها عطاءات العلم وتمولها مؤسسة الشيخ سليمان الراجحي الخيرية
وذلك اعتمادًا على أصل خطي فريد اكتشفناه بفضل الله وكان قد فهرس خطأً ويحتوي على شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
نسأل الله عز وجل أن ينفع به ويكتب الأجر لكل من شارك فيه .
http://149.202.85.216/bukhari_5/book/shrh_qtb


شرح القطب الحلبي على صحيح البخاري
اسم المؤلف الكامل : قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي
تاريخ الوفاة : 735
دار النشر : دار الكمال المتحدة
تاريخ النشر : 1438
المحقق : د. عبد الجواد حمام


حول الكتاب : 
كل من ترجم للقطب الحلبي فإن كل من ترجمه - تقريباً – نص على أنه ألف شرحاً موسعاً على صحيح البخاري، لكنه لم يتمه، وإنما بيض قسماً منه، على تنوع في تحديد حجم هذا القسم المبيض أو المنتهي من الشرح.
ومما ذُكِرَ في ذلك:
قال الذهبي: «وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات».
وقال الوادي آشي: «وَله تأليفان الْآن لِلْخُرُوجِ أَحدهمَا: شرح البُخَارِيّ يكون فِي نَحْو خَمْسَة عشر سفراً تخميناً».
وقال ابن كثير: «وصنف شرحاً لأكثر البخاري، وجمع تاريخاً لمصر ولم يكملهما».
وقد ذكر ابن الملقن هذا الكتاب ضمن المصادر التي اعتمدها في التوضيح فقال: «ومن المتأخرين: شيخنا قطب الدين عبد الكريم في ستة عشر سفراً».
قال ابن حجر: «وَشرع فِي شرح البُخَارِيّ وَهُوَ مطوّل أَيْضاً بيض أَوَائِله إِلَى قريب النّصْف».
قال ابن قطلوبغا: «شرح البخاري بلغ النصف».
وقال السيوطي: «وشرع في شرح البخاري مطولا بيض منه النصف».
وقال صديق حسن خان: «وَشرحُ الإِمَامِ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور بن مُنِير الْحلَبِي الْحَنَفِيّ المتوفي سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْع مئة، وَهُوَ إِلَى نصفه فِي عشر مجلدات».
وجاء في «معجم المؤلفين»: «من مؤلفاته: شرح الجامع الصحيح للبخاري في عشر مجلدات».


اسم الكتاب:
لم أقف على من سمى الكتاب من الأئمة المتقدمين.


توثيق نسبة الكتاب إلى القطب الحلبي:
النسخة التي اعتمدنا عليها في هذا هي نسخة أخرى عزيت خطأً لغير مؤلفها.
فقد اعتمدنا على نسخة محفوظة بمكتبة فيض الله أفندي، برقم [439]، كتب عليها في أولها:
«الجزء الأول من كتاب شرح مشكل البخاري للواسطي، تغمده الله برحمته ورضوانه، آمين، آمين، آمين».
وهذا ما اعتُمِدَ في «فهرس آل البيت» قسم الحديث (2/1011) حيث جاء فيه:
«548 – شرح مشكل البخاري – ابن الدبيثي (محمد بن سعيد):
فيض الله أفندي 21 [439] مج 1 (149و) – (سز 1/118)».
وهذا وهم، وأنا أبين الشواهد من خلال هذا الجزء على أنه كتاب القطب الحلبي، لا غيره.
أولاً – نقل الأئمة عن هذا الكتاب:
هذا الشرح يُعَدُّ من الشروح الموسعة والمهمة من شروح البخاري، وقد اعتمد عليه من بعده اعتماداً كبيراً، وأكثر من رأيته اعتمد على هذا الشرح هما الإمامان: ابن الملقن (804?) صاحب «التوضيح لشرح الجامع الصحيح»، والإمام بدر الدين العيني (855?) في كتابه «عمدة القاري».
واللافت للنظر أن كلاً من ابن الملقن والعيني يكثران جداً من النقل عنه، وكثيراً ما ينقلان عباراته بحرفها ولفظها، ولكن نادراً ما يعزوان إليه.
وقد ذكر ابن الملقن كتاب شيخه في آخر التوضيح من ضمن المصادر التي اعتمدها فقال: «ومن المتأخرين: شيخنا قطب الدين عبد الكريم في ستة عشر سفرا» ثم ذكر شروحاً أخرى ثم قال: «وشرحنا هذا خلاصة الكل مع زيادات مهمات وتحقيقات».
والذي لاحظته أن ابن الملقن يتصرف ويختصر ويلخص، بينما العيني ينقل فقرات ومواضع بطولها من دون أدنى تصرف، والغريب أن القطب الحلبي في مواضع كثيرة يبدأ كلامه بقوله: «قلت» ويسوق رأياً له، فنرى العيني ينقل العبارة أيضاً بقوله: «قلت» فيتوهم القارئ أن هذا من كلام العيني وإضافاته، وهو في الحقيقة ناقل لكلام القطب الحلبي.
والمواضع التي ينقل فيه ابن الملقن والعيني كما ذكرت كثيرة جداً، بل لا أبالغ إن قلت: إنهما يكادان يستوعبان شرحه، لذلك لن أذكر أمثلة لهذا، أعني عن وجود عبارات بألفاظها منقولة عن القطب الحلبي من دون عزو أو بيان مصدرها.
لكن سأذكر بعض المواضع التي نقل فيها العيني عن القطب الحلبي، من دون أن يسميه، ونقل عباراته بقوله قلت.
يقول المؤلف هنا في هذا الشرح:
«قلت: وعند هذا ظهر لك الخلل في نقل أبي الحسن بن بطال الإجماع على أن شهادة المرأة الواحدة لا تجوز في الرضاع وشبهه بما ذكرته من مذهب أحمد أنه يقبل شهادتها وحدها في كل ما لا يطلع عليه الرجال من الرضاع وغيره، وبما نقل عن مالك من شهادة الواحدة على الشياع».
وقال العيني في شرحه:
«قلت: وقد ظهر لك الخلل في نقل ابن بطال الاجماع على أن شهادة المرأة الواحدة لا تجوز في الرضاع وشبهه من الذي ذكرنا، لأن مذهب أحمد وغيره أن شهادة الواحدة في كل ما لا يطلع عليه الرجال من الرضاع وغيره تقبل، ومما نقل عن مالك من شهادة الواحدة على الشياع».
فسياق كلام العيني يوحي بأن القول قوله، والحقيقة أنه من كلام القطب الحلبي.
قال العيني:
«قلت: لا خلاف في مذهب الشافعي أنه لا يجب عليها الغسل إلا برؤية الماء ومراد الغزالي وغيره بقوله لا يعرف من جهتها إلا بالشهوة والتلذذ يريد به تعيين هذه الخاصة في حقها دون الخاصيتين الموجودتين في مني الرجل على اختياره لا غير ذلك وقد ذكر الغزالي في الوجيز إذا تلذذت المرأة بخروج منيها فأثبت خروجه.
قلت: هذا تحرير مذهب الشافعي في هذا الموضع. وطُوِّل الكلام فيه لغلط جماعة من الشافعية فيه الثالث فيه إثبات أن المرأة لها ماء الرابع فيه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير».
هذه الفقرة من كلام العيني يستعمل فيها في موضعين: «قلت»، مما يفهم أنها من قوله، والحقيقة أنها من كلام القطب الحلبي، وهذا كلامه:
«قلت: لا خلاف في مذهب الشافعي أنه لا يجب عليها الغسل إلا برؤية الماء، ومراد الغزالي وغيره بقوله: لا يعرف من جهتها إلا بالشهوة والتلذذ يريد به تعيين هذه الخاصة في حقها دون الخاصيتين الموجودتين في مني الرجل، على اختياره لا غير ذلك.
وقد قال الغزالي في الوجيز: إذا تلذذت المرأة بخروج منيها فأثبت خروجه.
قلت: هذا تحرير مذهب الشافعي، وإنما طولت فيه وذكرته هنا لأني رأيت جماعة من فضلاء الشافعية يغلطون فيه، وهذا تحرير شاف».
قال المؤلف في هذا الشرح:
«قلت: قد جاء مبيناً كلاهما أمر علي وسؤال المقداد؛ أما الأول ففي الموطأ: «أن علياً أمر المقداد أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه، قال المقداد: فسألته عن ذلك».
وقال العيني: «قلت: قد جاء مبينا كلاهما أمر علي وسؤال المقداد أما الأول ففي الموطأ أن عليا رضي الله عنه أمر المقداد أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه قال المقداد فسألته عن ذلك».
والأمثلة على ذلك كثيرة، لا أطيل بذكرها.
من المواضع التي صُرِّح فيه بالنقل عن القطب الحلبي:
يقول ابن الملقن:
«وأجاب شيخنا قطب الدين في شرحه بجواب حسن؛ وهو أن من أنواع تبويب البخاري -رحمه الله- أن يذكر حديثًا في باب ليس فيه من تلك الطريق ما يدل عَلَى المراد؛ بل فيه من طريق آخر ما يدل لَهُ فينبه عَلَى تلك الطريق بتبويبه.
وهذا التبويب من هذا النوع، فإنه جاء في رواية في الصحيح من حديث كريب، عن ابن عباس أنه قَالَ: رقدت في بيت ميمونة ليلة لأنظر كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم...».
والعبارة موجودة في الشرح الذي بين يدينا، حيث يقول المؤلف:
«بل وجهه ما أذكره بتوفيق الله تعالى: وهو أن البخاري رحمه الله في تبويبه على أنواع، منها أنه قد يذكر التبويب ويذكر فيه حديثاً ليس في لفظه من هذا الطريق ما يدل على المراد؛ بل يكون الدال على المراد زيادة لفظ جاء في طريق آخر في الحديث فينبه على تلك الطريق بتبويبه.
وهذا التبويب من هذا النوع، فإنه جاء فيه في طريق من طرق الصحيح من حديث كُرَيب، عن ابن عباس أنه قال: رقدت في بيت ميمونة ليلة لأنظر كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ...».
واللافت هنا في كلام ابن الملقن أنه وصف القطب الحلبي بأنه شيخه، ويكثر من هذا الوصف في شرحه، مع أن ابن الملقن ولد سنة (723)، والقطب الحلبي توفي سنة (735?)، فيكون عمر ابن الملقن عند وفاة الحلبي اثني عشرة سنة، فالظاهر أنه حضر مجلسه أو أحضر فيه، أو أجاز له.
ومن المواطن أيضاً قول المؤلف:
«وقول أبي ذر: «لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ» رويناه متصلاً، قرأت على الشيخ الحافظ عبد المؤمن بن خلف قلت له: أنبأك الحسين الخليلي، أنا عبد الله بن دَهْبَل بالحَرِيم الطَّاهري، أنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، عن ابن حيويه، عن ابن معروف، عن الحسين بن فهم، عن محمد بن منيع، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن مرثد بن أبي مرثد، عن أبيه قال: جلست إلى أبي ذر الغفاري إذ وقف عليه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال أبو ذر: «والله لو وضعتم الصمصامة عَلَى هذِه - وأشار إلى حلقه - عَلَى أن أترك كلمةً سمعتها من رسول الله ( لأنفذتها قبل أن يكون ذَلِكَ».
وقد ذكر ابن الملقن هذا الحديث وقال عنه: «أنبأنيه شيخنا قطب الدين عبد الكريم الحلبي، حدثني الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي، أنبأنا الحسين الخليلي، أنا ابن كاره، أنا ابن عبد الباقي، عن ابن حيوية، عن ابن معروف، عن الحسين بن فهم، عن محمد بن منيع، عن سليمان، عن عبد الرحمن، عن الوليد به».
قال المؤلف في نهاية ترجمة محمد بن الوليد الزبيدي: « روى له الجماعة».
فتعقبه ابن الملقن بقوله:
«روى له الجماعة سوى الترمذي، ولم يستثن شيخنا قطب الدين في شرحه الترمذي، واستثناؤه هو الصواب».
قال المؤلف:
«قوله: «وقَالَ إِسْحَاقُ» قلت: هذا من المواضع المشكلة في كتاب البخاري فإنه ذكر جماعة في كتابه لم ينسبهم، فوقع من بعض الناس اعتراض عليه بسبب ذلك لما يحصل من اللبس وعدم البيان، ولا سيما إذا شاركهم ضعيف في تلك الترجمة.
وأزال الحاكم ابن البيع اللبس بأن نسب بعضهم، واستدل على نسبته، وذكر الكلاباذي بعضهم، وذكر ابن السكن بعضاً، ثم جماعة».
وقد نقل ابن حجر هذا الكلام عن القطب فقال:
«قال الشيخ قطب الدين الحلبي وقع من بعض الناس اعتراض على البخاري بسبب إيراده أحاديث عن شيوخ لا يزيد على تسميتهم، لما يحصل في ذلك من اللبس، ولا سيما أن شاركهم ضعيف في تلك الترجمة، وقد تكلم في بيان بعض ذلك الحاكم والكلاباذي وابن السكن والجياني وغيرهم».
قال العيني: «وقال الشيخ قطب الدين: وليس في البخاري عُزَيز بضم العين».
والكلام جاء في هذا الشرح، حيث قال: «وعَزِير بفتح العين المهملة وكسر الزاي، وليس في البخاري عُزَير بضم العين».
قال المؤلف: «الشرح: جاء في الآثار أن درجات العلماء تتلو درجات الأنبياء، والعلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، وبينوه للأمة، وحموه من تحريف الجاهلين.
وروى ابن وهب، عن مالك، قال: سمعت زيدَ بن أَسْلَمَ يقول في قوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء} [يوسف: 76] ، قال: «بالعلم».
وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم}: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: يرفع الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.
وقيل: يرفعهم في الثواب والكرامة.
وقيل: يرفعهم في الفضل في الدنيا والمنزلة.
وقيل في قوله تعالى: {وقل رب زدني علما} [طه: 114] أي: بالقرآن، وكان كلما نزل من القرآن شيء ازداد به ( علماً.
وقيل: ما أمر الله رسوله بزيادة الطلب في شيء إلا في العلم، وقد طلب موسى - عليه السلام - الزيادة فقال: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} [الكهف: 66]، وكان ذلك لما سئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه».
قال العيني: «قال الشيخ قطب الدين رحمه الله في شرحه بعد الآيتين، ش: جاء في الآثار أن درجات العلماء تتلو درجات الأنبياء، والعلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم وبينوه للأمة...» وساق كلام القطب الحلبي السابق بطوله.
قال المؤلف:
«قلت: لما ذكر البخاري في الباب الأول قراءة الشيخ هو قوله: «باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا» عقَّب بهذا الباب فذكر القراءة على الشيخ والسماع عليه فقال: «باب القراءة والعرض على المحدث»، قالوا: وسميت عرضاً لأن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه كما يعرض القارئ على المقرئ، وكان من حقه أن يقدم هذا الباب على باب «قول المحدث ثنا وأنبا» لأن قول المحدث حدثنا وأنبا فرع عن تحمله، هل كان بالقراءة أو بالعرض».
قال العيني:
«وقال الشيخ قطب الدين: لما ذكر البخاري في الباب الأول قراءة الشيخ، وهو قوله: باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، عقب بهذا الباب، فذكر القراءة على الشيخ والسماع عليه، فقال: باب القراءة والعرض على المحدث، وكان من حقه أن يقدم هذا الباب ...»، وساق الكلام بطوله، وتعقبه عليه.
قال المؤلف: «هذا الباب حقه أن يأتي عقب باب: «من رفع صوته بالعلم»، أو عقب باب: «طرح المسألة»، لأن كليهما من آداب العالم، وهذا الباب من آداب المتعلم، وما بعد هذا الباب يناسب الباب الذي قبله، وهو قوله: «باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رب مبلغ أوعى من سامع»؛ لأن فيه معنى التحمل عن الشيخ غير العارف وغير الفقيه، فالمناسب أن يكونا فيما يذكر في المناولة، لأنها كلها في معنى التحمل».
قال العيني: «وقال الشيخ قطب الدين: هذا الباب حقه أن يأتي عقب باب: من رفع صوته بالعلم، أو عقب باب: طرح المسألة، لأن كليهما من آداب العالم، وهذا الباب من آداب المتعلم، وما بعد هذا الباب يناسب الباب الذي قبله، وهو قوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رب مبلغ أوعى من سامع؛ لأن فيه معنى التحمل عن غير العارف، وغير الفقيه».
ومن المواضع التي نقلها العيني وعزاها إلى القطب الحلبي بل انتقده فيها أيضاً قوله:
«وقال الشيخ قطب الدين: وقد جاءت لفظة الترجمة في الترمذي من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله أمرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ اوعى من سامع» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: كل منهما قد أبعد وتعسف، والذي ينبغي أن يقال هو: إن هذا حديث معلق، أورد البخاري معناه في هذا الباب، وأما لفظه: فهو موصول عنده في: باب الخطبة بمنى، من كتاب الحج ...
وقال الشيخ قطب الدين: لم يخرج البخاري لأبي عبيدة شيئاً، وأخرج هو ومسلم لعبد الرحمن عن مسروق، فلما كان الحديث ليس من شرطه جعله في الترجمة.
قلت: هذا بناء على تعسفه فيما ذكرناه، والذي جعله في الترجمة قد ذكره في كتاب الحج على ما ذكرنا».
والكلام الذي أشار إليه العيني وانتقده ذكره المؤلف هنا في الشرح، حيث قال:
«وقد جاءت لفظة الترجمة في الترمذي من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: تكلم الناس في سماع عبد الرحمن عن أبيه، وقالوا: كان صغيراً ...
ولم يخرجا له عن أبيه شيئاً، ولم يخرج البخاري لأبي عبيدة شيئاً، وأخرج هو ومسلم لعبد الرحمن عن مسروق، وأظنه لهذه العلَّة، فلما كان الحديث ليس من شرطه جعله في الترجمة على عادته، والله أعلم».
ثانياً – نقل المؤلف عن شيوخه في هذا الشرح:
نقل المؤلف في هذا الشرح عن عدد من شيوخه، وصرح بذلك، ومن هؤلاء:
ابن دقيق العيد:
نقل عنه في مواضع عدة، قال في أحدها: «وقال شيخنا الإمام تقي الدين في قول ابن عباس ...».
وقال في موضع آخر: «قال شيخنا الإمام تقي الدين القشيري...».
وفي آخر: «وقال شيخنا تقي الدين بعد ترجيحه هذا القول ...».
وفي موضع: «قال شيخنا الإمام تقي الدين القشيري: إن لم يكن ثَمَّ سترة غير الجدار فالاستدلال ظاهر ..» وساق كلامه وفيه: «فلا يتم الاستدلال إلا بتحقيق أحد هذه المقدمات».
فعقب المؤلف على كلام شيخه بتقرير هذه المقدمات وتفصيلها حيث قال: «فصل في إثبات هذه المقدمات ..».
وهذا من عنايته بكلام شيخه، وقد شرح له كتابه وسماه: «الاهتمام بتلخيص كتاب الإلمام» وهو مطبوع.
ابن أبي الحرم:
قال المؤلف في موضع من هذا الشرح: «قلت: أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي الحرم مكي، أنا الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان، انا عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي ...».
وابن أبي الحرم هو: محمد بن مكي بن أبي الذكر بن عبد الغني، الصقلي ثم الدمشقي، نزيل القاهرة، المتوفى: (699?).
ملاحظات على الشرح:
كما تقدم فإن هذا الشرح من الشروح الموسعة لصحيح البخاري، اعتمد عليه كثير ممن أتى بعده، لكن مؤلفه لم يتمه، وإنما بيض قسماً منه، ولا نعرف على وجه الدقة أين وصل في تبييضه.
ونلحظ في النسخة التي بين يدينا أنه وقع فيها بياض في مواضع عدة تدل على تردد المؤلف أو أنه تركها للمراجعة.
ومن أمثلة ذلك قوله في ترجمة أم سلمة:
« وتوفيت سنة تسع وخمسين، وقيل: في خلافة يزيد بن معاوية، وولي يزيد في رجب سنة ستين، وتوفي في ربيع ... سنة أربع وستين».
فترك بعد كلمة «ربيع» بياضاً فكأنه لم يجزم في أي الربيعين توفي يزيد.
ومن الأمثلة أيضاً قوله في ترجمة أحمد بن أبي بكر، أبي مصعب القرشي الزهري: «قال الزبير بن بكار: مات وهو فقيه أهل المدينة غير مدافع، ولاه عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس .... إذ كان والياً على المدينة للمأمون».
فوقع بياض بعد كلمة «العباس» وكأنه تردد فيما ولاه إياه عبيد الله، والحقيقة أنه ولاه القضاء كما أثبته في موضعه.
ومما يلحظ على هذه النسخة أيضاً كثرة ما ألحق بها في الهوامش، من إضافات، وأحياناً تضاف فقرة كاملة، وعند التأمل يترجح أن أكثرها من أصل الكتاب، إذ هي بأسلوب المؤلف، وجارية على منهجه.
وهذا ما حداني إلى أثبات ما ترجح عندي أنها من الأصل، وما ترددت فيه أشرت إليه في موضعه.
ولعل هذا يشير إلى أن الكتاب لم يبيض، وربما تكون هذه النسخة قد كتبها المؤلف أو كتبت بين يديه، مما جعل هذه الإضافات تكتب على الهوامش وليس في الصلب.
وقد أشار ابن حجر في مواضع عدة إلى أنه وقف على نسخة الشرح للقطب الحلبي بخطه، فقال في أحد هذه المواضع: «وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه...».
ومما يلحظ على منهج المؤلف: تحريه في النقل، ودقة عزوه إلى الأئمة والعلماء، فلا يكاد ينقل قولاً من دون أن يسمي قائله أو يعزوه، حتى في تأريخ وفاة كثير ممن ترجمهم لا ينقل التأريخ إلا منسوباً إلى من ذكره، فيقول: قال فلان توفي سنة كذا.
وهذا المنهج لم يلتزمه كثير ممن أتى بعده، ولا سيما ابن الملقن، حيث يحذف كثيراً من أسماء من ينقل عنهم، ويكتفي بتلخيص كلامهم، وهذا يبين أهمية هذا الشرح وتميزه من بين الشروح، حيث يفيد في إثبات أقوال وآراء ربما لا نجدها في غيره، أو لا نعرف قائلها.
كما يلاحظ في الكتاب بعض الاختلاف في الألفاظ التي يثبتها عن صحيح البخاري، وهذا مرجعه في الأغلب إلى اختلاف نسخ البخاري، وقد أثبت أنا ما أثبته المؤلف، وتركت للقارئ المقارنة.
هذا عندما يثبت الحديث في أول الشرح، أما عندما ينقل فقرات من الحديث كجملة أو عبارة ليشرحها فالملاحظ أنه يتصرف فيها أحيانا على خلاف الرواية التي أثبتها هو، وذلك لكونه يرويها بالمعنى أو يثبتها من ذهنه، وقد راعيت ذلك وأثبت ما أثبته المؤلف، إلا ما كان فيه مخالفة أو تغيير لسياق البخاري فإني أشير إليه.
وأشرت إلى هذه الملاحظة حتى لا يظن أن ما يثبته المؤلف في أثناء الشرح نسخة أخرى مختلفة عما أثبت في أوله.


حول المؤلف : 
اسمه ونسبه:
عبد الكريم بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصمد بن عبد النور.
لقبه وكنيته: قطب الدين، أبو محمد.


نسبته: الحلبي، فهو حلبي الأصل والمولد، ثم المصري داراً ومقاماً.


مذهبه الفقهي: حنفي، وقد ترجمه الحنفية في طبقاتهم.


مولده: ولد بحلب يوم الجمعة، في السادس عشر من رجب، سنة (664?).


وفاته: توفي بالقاهرة يوم الأحد، في رجب، سنة (735?)، ودفن بها.


شيوخه:
توسع الإمام القطب الحلبي في الأخذ عن الشيوخ، وأكثر من الرحلة والسماع، حتى زاد عن شيوخه عن الألف، ومن أشهر من أخذ عنهم علماً وسماعاً:
الحافظ ابن دقيق العيد، وقد نقل عنه ووصفه بأنه شيخه في هذا الشرح.
ابن البخاري، وهو من أعلى أهل عصره إسناداً، ومن أكثره شهرة بالرواية.


تلاميذه:
أخذ عنه تلاميذ كثيرون، منهم أئمة كبار، فقد سمع منه الحافظ الذهبي، وأخذ عنه الوادي آشي، واستجازه التاج السبكي، كما سيأتي ذلك في كلامهم.


مؤلفاته:
عرف القطب الحلبي بالتأليف، واشتهر بها، ويبدو أنه كان ينحو منحى التأليف الموسوعي، وقد ظهرت في مصنفاته الجمع الدقيق، والتحرير، كما سيأتي وصفه بذلك في الحفاظ، وقد عدَّد الزركلي مؤلفاته فقال:
«له «تاريخ مصر» بضعة عشر جزءا، لم يتم تبييضه، و «شرح السيرة للحافظ عبد الغني» مجلدان، و«الاهتمام بتلخيص الإلمام – خ» في الحديث، و«شرح صحيح البخاري» لم يتمه، وكتاب «الأربعين» في الحديث، و«مشيخة » في عدة أجزاء، اشتملت على ألف شيخ».


ثناء الأئمة عليه:
وقال تلميذه الحافظ الذهبي (748?):
«الإمام المحدث الحافظ المصنف المقرئ بقية السلف ... وجمع وخرج وألف تواليفاً متقنة، مع التواضع والدين والسكينة، وملازمة العلم، والمطالعة، ومعرفة الرجال ونقد الحديث، سمعت منه بمصر، وبمكة سمعت منه جزء الغطريف، وقد أجاز لي مروياته».
وقال أيضاً: «وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة، والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات، وحدثنا بمنى. وعمل تاريخاً كبيراً لمصر بيض بعضه، وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات».
وقال أيضاً: «أحد من جرد العناية، ورحل وتعب وحصل وكتب، وأخذ عن أصحاب ابن طبرزذ فمن بعدهم، وصنف التصانيف، وظهرت فضائله، مع حسن السمت والتواضع والتدين وملازمة العلم».
وقال الوادي آشي (749?) في برنامجه وهو ممن لقيه وأخذ عنه:
«وَحدث بِصَحِيح مُسلم عَن الْمُؤَيد الطوسي، وَأكْثر هَذَا بِالسَّمَاعِ على القَاضِي شَيخنَا ابْن دَقِيق العَبْد، وأنشدني، قَالَ أنشدنا لنَفسِهِ:
~أرى النَّفس تحذر سم الردى وسم الْخَطِيئَة أوحى لَهَا
~تجَادل فِي طوع شيطانها إِذا هُوَ بالبغي أوحى لَهَا
~وَلَو عقلت أصلحت شَأْنهَا ليَوْم الْقِيَامَة أَو حَالهَا
قَرَأت عَلَيْهِ وَقَرَأَ هُوَ عَليّ أَيْضاً، وانتفع كل منا بِصَاحِبِهِ جزاه الله تَعَالَى خيراً، وأجازني إجَازَة عَامَّة بشروطها.
وَله تأليفان الْآن لِلْخُرُوجِ أَحدهمَا: شرح البُخَارِيّ يكون فِي نَحْو خَمْسَة عشر سفراً تخمينا، وَالْآخر تَارِيخ ديار مصر قَالَ إِنَّه يخرج فِي نَحْو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ سفرا نحا بِهِ منحى ابْن عَسَاكِر».
قال التاج السبكي (771?) وهو ممن استجاز منه:
«وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ، وَانْتَقَى عَلَى بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَعُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَحَصَّلَ الأُصُولَ وَالْفُرُوعَ، وَقَرَأَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ، وَأَعَادَ وَدَرَّسَ فِي الْحَدِيثِ بِعِدَّةِ أَمَاكِنَ، وَصَنَّفَ عِدَّةَ تَصَانِيفَ، وَحَجَّ سَبْعَ مِرَارٍ، وَكَانَ لَطِيفَ الْكَلامِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، كَثِيرَ التَّوَاضُعِ، بَشُوشَ الْوَجْهِ، حَسِنَ الْمُلْتَقَى، طَاهِرَ اللِّسَانِ، عَدِيمَ الأَذَى ...أَجَازَ لَنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ».
وقال ابن كثير (774?):
«أحد مشاهير المحدثين بها [أي بمصر] والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ... وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث، وقرأ الشاطبية والألفية، وبرع في فن الحديث، وكان حنفي المذهب، وكتب كثيراً، وصنف شرحاً لأكثر البخاري، وجمع تاريخاً لمصر ولم يكملهما، وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متباينة الإسناد، وكان حسن الأخلاق، مطرحاً للكلفة، طاهر اللسان، كثير المطالعة والاشتغال... وخلف تسعة أولاد رحمه الله».
قال الحافظ ابن حجر (852?):
«واعتنى بالرواية فَسمع من الْعِزّ الْحَرَّانِي، وغازي الحلاوي، وَابْن خطيب المزة وَغَيرهم، وبدمشق من الْفَخر وَغَيره، واستكثر من الشُّيُوخ جداً، وَكتب العالي والنازل، فَلَعَلَّ شُيُوخه يبلغون الْألف، وَخرج لنَفسِهِ التساعيات والمتباينات والبلدانيات، وَكَانَ خيرا متواضعاً، تَلا بالسبع على أبي الطَّاهِر المليحي وعَلى خَاله الشَّيْخ نصر، وانتفع بِصُحْبَتِهِ، وَجمع لمصر تَارِيخا حافلاً لَو كمل لبلغ عشْرين مجلدة، بيض مِنْهُ المحمدين فِي أَرْبَعَة، وَاخْتصرَ الالمام فحرره، وَشرح سيرة عبد الْغَنِيّ، وَشرع فِي شرح البُخَارِيّ وَهُوَ مطول أَيْضاً بيض أَوَائِله إِلَى قريب النّصْف».
قال ابن قطلوبغا (879?):
«وكتب العالي والنازل، وخرَّج وألّف، شرح البخاري بلغ النصف، وعمل تاريخ مصر فبلغ مجلدات دون التمام، وله غير ذلك مع الفهم، والبصر بالرجال، والمشاركة الجيدة في الفنون، وشرح السيرة النبوية للحافظ عبد الغني».


عملنا : نضدنا الكتاب من نسختنا المعتمدة واجتهدا في سد الثغرات وقراءة الطمس والبتر.


http://149.202.85.216/bukhari_5/book/shrh_qtb